شخصيات اسلامية
هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي، وُلد في العام 185هـ الموافق 825م في مدينة"الكوفة"، وقد تلقى في صباه التعليمَ الكثير؛ حيث حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه وكذلك الحساب واطلع على علم الكلام، ولما كبر انتقل إلى الإقامة في "بغداد" ومال إلى دراسة العلوم والفلسفة ومن وقتها لم يترك هذه الدراسات حتى أُطلق عليه لقب "فيلسوف العرب".
وقد تُوفي في العام 226هـ الموافق 866م بعد أن ترك للفكر الإسلامي ذخيرة فكرية ما بين كتب وأفكار.
إنجازاته العلمية وتراثه الفكري
أسهم الفيلسوف الكندي في العلوم الإسلامية والفلسفة والرياضيات والفلك حتى عُرف بـ"مؤسس الفلسفة الإسلامية"، وقد كان يترجم الكتب ويراجعها ويلخصها حتى أسَّس الفلسفة الإسلامية بعد أن كانت هذه العلوم حكرًا على السريانيين، وقد بلغت شهرته العلمية والفكرية الآفاق إلى الدرجة التي دفعت الخليفة العباسي "المعتصم بالله" أن يندبه لكي يعلم ابنه العلوم والفنون المختلفة، وقد اعتبره البعض أبرز علماء عصره في العلوم القديمة والحساب.
أبرز كتبه
كان الكندي غزير التأليف، وقد اختلف المؤرخون والموثقون حول عدد كبته، فمنهم من قال بأنهم 240 ومنهم من زادهم إلى 280، وعلى الرغم من ضخامة هذه التقديرات إلا أن بعض هذه المؤلفات كان من الحجم الصغير الذي يتجاوز عدة صفحات، وقد قام ابن النديم بتصنيفها إلى 17 نوعًا.
ومن أبرز كتبه "الحث على تعلم الفلسفة" و"ترتيب كتب أرسطو طاليس" وذلك في الكتب الفلسفية، أما في كتبه الهندسية ما كتبه في أغراض "إقليدس" ورسالته في شروق الكواكب وغروبها بالهندسة، كما ألف كتبًا في الجدليات حيث تولى في العديد منها الرد على المذاهب غير الإسلامية، ومنها كتابه في الرد على "الثنوية" الذين يدعون بوجود قوتي الخير والشر في العام وأن الحياة الإنسانية ما هي إلا صراع كبير بينهما، وكتابه في نقض مسائل الملحدين، ولا يتسع المقام لذكر كل ما أبدعته قريحة الفيلسوف الإسلامي الأكبر والأول.
ملامح من فلسفته
كانت الفلسفة عند الكندي هي طلب الحق، وهو ما يعني التعرف على حقائق الأشياء، وقد أكد الكندي أن هناك حقًا أول هو الله سبحانه وتعالى والذي خلق كل الأشياء والذي يحركها ولا يتأثر بها، وبالتالي افترق عن الفيلسوف الإغريقي أرسطو الذي لم ينزه الذات الإلهية في تصوراته الفلسفية.
وأكد الكندي أيضًا أن الغاية من الفلسفة هي التعرف على الخالق سبحانه وتعالى، أي أنه جعل الفلسفة وسيلة لا غاية في حد ذاتها، كما جعلها أسلوبًا من أجل تقوية إيمان المرء بالله تعالى، وبالتالي ساهم في التوفيق بين الفلسفة وبين الدين، منهيًا الصراع الطويل الذي دار بين العلماء والفقهاء والفلاسفة في الفكر الإسلامي حول هذا الموضوع؛ حيث أشار إلى أن الدين يستند إلى الوحي ويدعو الإسلام إلى إعمال العقل من أجل تقوية إيمان المرء، ولما كانت الفلسفة تدعو إلى الاعتماد على العقل أيضًا فلا يكون هناك تعارض بينهما، وإنما الفلسفة تعتبر أداة من أدوات الإنسان من أجل الإيمان.
وقد اهتم الكندي بالفلسفة لدرجة أنه جعلها تشمل كل العلوم وقسمها 3 أقسام وهي العلوم الرياضية والتي ينبغي أن يبدأ بها التعليم، والعلوم الطبيعية ثم العلوم الإلهية التي اعتبرها أعلى العلوم التي توصل إليها الإنسان, أيضًا عمل الكندي على الاهتمام بدور الأخلاق في بناء الحضارة الإنسانية.
وبعد كل هذه الإسهامات في مجال العلم عامة وفي مجال الدراسات الفلسفية تحديدًا، يمكننا أن ندرك أسباب تلقيب الكندي بلقب "فيلسوف العرب"؛ حيث وفق بين الفلسفة والدين في الإسلام، ووضع للعقل دوره الحقيقي والأساسي في عملية إيمان الإنسان وإدراكه لحقيقة ذاته وعالمه ودينه، وإلى جانب ذلك كله أسس المنظومة الكبيرة المسماة بـ"الفلسفة الإسلامية" التي ازدهرت بعد ذلك وأصبحت ركنًا أساسيًا في الثقافة الإسلامية، وحمل من بعده لواءها العديد من كبار الفلاسفة مثل "ابن رشد"، وفي عصرنا الحالي الدكتور "زكي نجيب محمود".
خولة بنت ثعلبة.. التي سمِع اللهُ قولَها
من هي؟!
هي خولة بنت ثعلبة، إحدى النساء المؤمنات العارفات بالله تعالى، والتي كانت على عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وعاشت حتى تولَّى سيدُنا عمر بن الخطاب خلافةَ المسلمين وسمِّيَ بـ"أمير المؤمنين"، وقد كانت زوجةً لأوس بن الصامت، وهو الزواج الذي كان سببًا في شهرة خولة إلى يوم الدين بإذن الله تعالى.
مناقبها وأخلاقها الشخصية
كانت خولة بن ثعلبة قويةً في الحق وشجاعةً، ويُحكَى أنها قابلت سيدَنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بعد أن تولى خلافة المسلمين ولم تستدِر لتغادر طريق أمير المؤمنين، رغم أن الشيطان كان يستدير ويسلك طريقًا آخر لو رأى في طريقه الأول سيدنا عمر، ولما اعترضت طريقَه قالت له إنها شاهدته وهو صبي ثم وهو أحد أعلام الإسلام ثم وهو أمير المؤمنين، وكانت بذلك تذكِّره بأنه كان بسيطًا فلا يدع الغرور يدخل قلبه، وطالبتْه بأن يتقيَ اللهَ في الرعية وأن يعدل بينها، وفي ذلك الموقف ما يوضح جرأتَها في الحق ومعرفتَها بتعاليم الدين الإسلامي التي لا تفرق بين المسئول وبين الرعية وتعطي الرعية الحقَّ في توجيه رعاتهم.
إلى جانب ذلك كانت حريصةً على بيتها وزوجها أكثر من حرصها على أي شيء آخر، عملاً بالتعاليم الإسلامية التي تدعو الرجل والمرأة إلى حماية الحياة الأسرية، ولما كبُر زوجُها أوس بن الصامت في السن ضاق خلقُه بفعل أمراض الشيخوخة، فكانت تحتمله لأنها كانت تحبه؛ حيث كان زوجَها وابنَ عمها، وقد أخبرت الرسول بذلك، لكنه ذات مرة بلغ به الضيق مبلغَه فطلَّقها على طريقة الجاهلية في الظهار، وقال: "أنت عليَّ كظهر أمي".
وفي هذه الحالة كانت أية زوجة أخرى ستُسيء معاملةَ زوجها أو تمارس معه المضايقات عندما يبدأ كل طرف في إنهاء علاقته المادية والمعنوية من الآخر بعد وقوع الطلاق, لكنَّ خولة بنت ثعلبة شعرت بفطنتها أن الأمر ليس طلاقًا كاملاً فهو لم يطلقها وفق تعاليم الإسلام، وبالتالي فهي لا تزال زوجتَه، لكنه قال لفظة طلاق معتادةً بين العرب في الجاهلية، فتوجَّهت من تلقاء نفسها إلى الرسول الكريم وقصَّت عليه القصة كلها فأنزل الله تعالى على رسوله الكريم قرآنًا يُتلى في أول سورة المجادلة؛ حيث قال تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ (المجادلة: 1) وأمرَها الرسول الكريم بأن تدفع زوجَها لعتقِ رقبة، لكنها قالت بأنه لا يملك، فأمرها بإطعام 60 مسكينًا، فأخبرته بأنهما لا يملكان، حتى أمرها بالتصدق بالتمر، وهنا تتضح سمةٌ أخرى من سمات خولة بنت ثعلبة، وهي تمسُّكُها ببيتها وزوجها إلى النهاية وعدم تفريطها فيهما، حتى بعد أن شاخ زوجها واضطربت سلوكياته للدرجة التي ظاهرها فيها على أخلاق الجاهلية دون أن يدرك أنه على الدين الإسلامي.
رحم الله خولةَ بنتَ ثعلبة، التي ضربت المثال الأبرز في الفطنة عندما لجأت إلى الرسول الكريم لكي يحلَّ لها ما أعضلها من مشكلة زوجية، ولم تُدخل فيها أيَّ شخص آخر إلا الرسول عليه الصلاة والسلام؛ مما يوضح عمق إيمانها وثقتها في دينها، وكذلك حرصها على منزلها، ورغبتها في أن تحل مشكلتها بأسرع وقت وفق التعاليم الإسلامية، إلى جانب ما أبرزته أمام الخليفة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين من شجاعة الخِطاب، ومعرفة حدود التعامل بين الراعي والرعية.
قتادة بن النعمان.. الذي ردَّ عليه الرسولُ عينَه
ملامح من شخصيته
هو الصحابي الكريم قتادة بن النعمان بن زيد، كان من أنجب العرب، وقد كان يشعر في نفسه- كما تقول كتب التراث- أنه ينبغي أن يؤمن بدين معين، وأن هذا الدين سيوجد ويعلِن نفسه على البشرية كلها، حتى هداه الله تعالى إلى الإسلام، فأسلم رضوان الله عليه قبل يوم بدر، وقد صحِب الرسولَ- صلى الله عليه وسلم- وأخلصَ لله تعالى، فكافأَه الله تعالى في الدنيا والآخرة.
جهاده في سبيل الله تعالى
كان قتادة بن النعمان- رضي الله عنه- من الراغبين في الإسلام والعاملين على خدمته بكل ما يملك وما يستطيع، وقد كان من أكثر الناس حرصًا على المشاركة في الغزوات كي يمنحَه الله جل وعلا الشهادة، وفي غزة بدر خرج يبغي الشهادة ولكنها لم تُكتب له وإنما خُرقت عينُه وسالت على وجهه؛ حيث كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يرمي في الغزوة بنفسه، فأخذ عنه قتادة يبغي مساعدتَه فخُرقت عينُه، فلم يدرِ المؤمنون ماذا يفعلون فأخذوا قتادةَ إلى الرسول الكريم الذي تناول حدقتَه بكفِّه وأعادها إلى مكانها وهو يدعو ويقول: "اللهم زدْه جمالاً"، فيقول قتادة إن عينَه عادت سليمةً كما كانت وأحسن من حالتها الأولى.
وقد حضر مع النبي- صلى الله عليه وسلم- كلَّ الغزوات والمشاهد القتالية كلها ومن بينها يوم الفتح، وبعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يقصِّر قتادة بن النعمان في شيء بل واصل كفاحه وجهاده في عهد كلٍّ من أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.
وفاته رضوان الله تعالى عليه
كان رضي الله عنه حريصًا على الشهادة في سبيل الله تعالى، فشارك في كل الغزوات على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، كما حرص على مواصلة جهاده في عهد الخلفاء من بعده، وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- سار على رأس الجند الذي اتجه إلى الشام، مواصِلاً بذلك حياته الجهادية.
وقد تُوفي- رضي الله تعالى عنه- في السنة الـ23 من الهجرة النبوية في المدينة المنوَّرة عن عمرٍ وصل إلى 65 عامًا، وقد نزل سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- إلى قبره؛ تكريمًا له وحرصًا على مرافقته حتى اللحظة الأخيرة.
حنظلة بن أبي عامر الراهب
من هو؟
هو حنظلة بن أبي عامر الراهب، وُلِد قبل البعثة النبوية، وكان قويَّ الإيمان والطاعة لله سبحانه وتعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، كان أبوه أبو عامر الراهب يسعى قبل البعثة إلى معرفة من هو النبي الجديد الذي كان يقال له "نبي آخر الزمان"، وكان يجتهد في السؤال حتى يؤمن به.
ولما بعث اللهُ تعالى الرسولَ- عليه الصلاة والسلام- دبَّت الغيرة في نفس أبو عامر والد حنظلة، وأبى أن يدخل في دين الإسلام، لكنَّ اللهَ جل وعلا منح ابنَه حنظلةَ نور الهداية، فآمن بالله تعالى وصار من أشد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إيمانًا وتصديقًا.
فضائله وأعماله في خدمة الإسلام
كان هذا الصحابي الجليل- رضوان الله تعالى عليه- من أكثر الناس حرصًا على خدمة الإسلام والنبي عليه الصلاة والسلام، وكان يحرص على ملازمة الرسول الكريم في كل مكان يذهب إليه ويعمل على المشاركة في كل عمل يأخذه النبي- صلى الله عليه وسلم- على عاتقه.
ومن أبرز تضحياته أنه ذات يوم أراد أن يتزوج وبالفعل تزوج من جميلة بنت عبد الله بن أبي بن سلول، وكان في اليوم التالي قتالُ يوم أُحد بين المسلمين والمشركين، فاستأذن من الرسول الكريم أن يبيت عند زوجته، فأذن له الرسول، ولما حان الصباح خرج من منزله واتجه إلى القتال ضاربًا المثل الرائع في التخلِّي عن متاع الدنيا في الخروج إلى القتال في اليوم التالي لزواجه؛ حيث استغنى عن كل المتع واتجه إلى الجهاد في سبيل الله تعالى عالمًا بأنه قد يسقط شهيدًا ولا يعود إلى زوجته مرةً أخرى، كما أنه كان يتمنى أن يفديَ الرسول الكريم بماله وبنفسه وبكل ما يملك.
استشهاده في سبيل الله تعالى
كان حنظلة بن أبي عامر هذا الصحابي الكريم على موعد مع الشهادة في سبيل الله في غزوة أحد؛ حيث كان القتال على أشدِّه، وانكسرت صفوف المسلمين أمام الكفار في القتال، وفي أثناء القتال التقى حنظلة مع أبي سفيان بن حرب- وذلك قبل إسلام أبو سفيان- وضرب حنظلةُ أبا سفيان فأسقطه أرضًا، وهنا تختلف الروايات حول ظروف استشهاد الصحابي الجليل، فهناك من قال بأنه سقط بضربة رمح من أحد المشركين، وهناك من قال بأنه سقط بضربة سيف من شداد بن الأسود، وعلى كل الأحوال فقد سقط شهيدًا في سبيل الله تعالى، وثبت في القتال ولم يولِّ الأدبارَ، ولما سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقصة استشهاد حنظلة وكان قد علِم- عليه الصلاة والسلام- بخروجه في الصباح التالي لزفافه قال: "إن صاحبكم تغسِّله الملائكة".
وتوضح لنا ظروف استشهاد حنظلة وتعليق الرسول- عليه الصلاة والسلام- عليها أن الإنسان في علاقته بربه جل وعلا عليه أن يتناسى كلَّ زخارف الدنيا ومتعِها ومباهجِها بل وحتى همومها؛ من أجل أن يجيب دعوة الله تعالى، وفي المقابل فإن الله سبحانه وتعالى لا ينسى عبادَه المخلصين الطائعين، فها هو حنظلة يترك بيته وهو لم يكمل يومًا واحدًا من الزواج ويتجه إلى الجهاد، فيكون الثواب الإلهي هو الشهادة والغسل على يد الملائكة.
عبد الله بن رواحة.. الأمير الشهيد
من هو؟
|
الجهاد ذروة سنام الإسلام |
هو "عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة"، يُكنى بـ"أبي محمد" و"أبي رواحة"، وُلد في أسرة كريمة من أسر "الخزرج" في "المدينة المنورة"، وكان يقرأ ويكتب وهي سمة كانت مهمة جدًا في ذلك الوقت الذي ندر فيه القراء والكتبة.
وكان شاعرًا وفارسًا مقاتلاً، وكثيرًا ما اعتمد عليه قومه "الخزرج" في حروبهم ضد "الأوس" قبل أن يؤلف الله تعالى بين قلوبهم بالإسلام، وقد أسلم بن رواحة كغيره من أهل المدينة على يد "مصعب بن عمير" رضي الله عنه، والذي أرسله الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة كي يدعو أهلها للإسلام.
حياته وجهاده في سبيل الله تعالى
كان الصحابي "عبد الله بن رواحة" رضي الله عنه من أشد الناس اعتزازًا بدينهم الإسلامي، ويروى عنه أنه ذهب ذات مرة إلى يهود "خيبر" بناءً على أمر من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فحاولوا أن يقدموا له رشوة فأبى ورفض رفضًا قاطعًا، وكان رحمه الله تعالى من أشد الناس ورعًا وأكثرهم تقوى حتى أن أبا الدرداء ذكر أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- وابن رواحة هما فقط من اعتاد الصوم في أيام السفر الحارة، ويُذْكَرُ عن زوجته أنها قالت بعد وفاته أن هذا الصحابي الكريم كان يصلي ركعتين قبل خروجه من البيت وركعتين عند دخوله، ولم يخالف هذه العادة أبدًا طيلة حياته التقية.
ومن الأعمال البارزة التي قام بها في حياته- رضوان الله تعالى عنه- أنه بايع الرسول عليه الصلاة والسلام في "بيعة العقبة الثانية" حين خرج للحج فلاقى الرسول الكريم وصافحه فكان ابن رواحة هنا من النقباء الاثني عشر، كما كان على رأس مستقبلي الرسول عليه الصلاة والسلام عندما وصل "المدينة المنورة" مهاجرًا من "مكة المكرمة".
ومن مواقفه الشهيرة في نشر الدعوة الإسلامية تسببه في إسلام أبي الدرداء؛ عندما دخل ابن رواحة منزل أبي الدرداء رضي الله عنه في غيابه وقام بتحطيم الصنم الذي كان يتعبد له أبو الدرداء مما دفع أبا الدرداء إلى إدراك حقيقة الأصنام وعدم قدرتها على حماية ذاتها، وبسبب هذا الموقف ظل أبو الدرداء رضي الله عنه يذكر ابن رواحة بالخير في كل مجلس.
وقد أبلى ابن رواحة البلاءَ الحسن في الجهاد في سبيل الله تعالى حيث شارك في غزوة بدر، وقاتل قتال الشهداء في غزة أحد، وقد بلغ عظم شأنه عند رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه استخلفه على "المدينة المنورة" في الغزوة التي عرفت باسم "بدر الموعد"، والتي تلت غزوة أحد، كما شهد الرسول الكريم بأن شعر ابن رواحة أشد وقعًا على الكفار من السهام وأصبح "عبد الله بن رواحة" من شعراء الرسول صلى الله عليه وسلم.
استشهاده يوم "مؤتة"
نال "عبد الله بن رواحة" الشهادةَ في غزوة "مؤتة"، وقد خرج المسلمون في هذه الغزوة في جيش من 3 آلاف مقاتل للقاء جند الروم الذين قُدِرَ عددهم يومئذ بـ22 ألفًا، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في هذه الغزوة بأن يكون ابن رواحة الثالث في ترتيب من يرفع علم المسلمين إذا ما استشهد رافع العلم الأول والثاني الذي يليه في الترتيب.
وأخذ ابن رواحة الراية وصار يقاتل وهو يحمل راية الإسلام حتى سقط شهيدًا في سبيل الله تعالى فائزًا بالنعيم الأخروي بعد أن فاز في الدنيا بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان ابن رواحة رضي الله عنه بذلك هو "الأمير الشهيد"، ولا زالت الألسنة لليوم تردد معه قائلة:
اللهم لولا أنت ما اهتدينـا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينـة علينـا وثبت الأقدام إن لاقينـا
حارثة بن النعمان.. قارئ القرآن الكريم في الجنة
من هو؟
هو "الحارثة بن النعمان" أحد الأنصار الذين ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم في "المدينة المنورة"، شهد غزة "بدر".
كان من أبرز صفاته بره بأمه وتدينه وحرصه على الجهاد في سبيل الله تعالى وذلك سواء في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام أو في عهد الخلفاء الراشدين وبخاصة في عهد سيدنا "عثمان بن عفان"رضي الله عنه.
إسلامه
جاء إسلام هذا الصحابي الجليل "الحارثة بن النعمان" بعد بيعة "العقبة" وقد أسلم على يد "مصعب بن عمير" رضي الله عنه حين ابتعثه الرسول الكريم لكي يعرف أهل المدينة بتعاليم الدين الحنيف وذلك بعد أن بايعه مسلمو المدينة في بيعة العقبة واطمئن لاستقرار الإسلام هناك وأسلمت أسرت ابن النعمان كلها معه، وقد كان "الحارثة بن النعمان" في طليعة من استقبلوا الرسول عليه الصلاة والسلام عند حضوره مهاجرا إلى "المدينة المنورة".
خصاله الشخصية وأعماله في خدمة الدعوة الإسلامية
كان "الحارثة بن النعمان" من أبر أهل الأرض بأمهم، فكان يطعمها بيده حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم رآه في المنام يقرأ القرآن الكريم في الجنة جزاءً لبره أمه في الدنيا وقد بلغ حبه لوالدته أنه فرح أشد الفرح عندما أسلمت والدته "جعدة بنت عبيد"، ومن المواقف الأخرى التي تدل على عظم هذه الشخصية الإسلامية أنه لقي الرسول صلى الله عليه وسلم سائرًا فألقى السلام فرد الرسول الكريم ثم أخبر ابن النعمان فيما بعد أنه كان سائرًا مع "جبريل" عليه السلام وأن جبريل رد السلام على ابن النعمان.
وقد عمل هذا الصحابي الكريم على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيل الله تعالى ومن مواقفه مع الرسول الكريم أنه ترك لـ"علي بن أبي طالب" منزله الذي كان يجاور منزل النبوة في "المدينة المنورة" لكي يسكن علي مع السيدة "فاطمة الزهراء" رضي الله عنها وأرضاها بعد أن تزوجا في منزل بعيد عن منزل الرسول عليه الصلاة والسلام، إلى جانب ذلك كان من الذين شاركوا في غزوة "بدر" وكذلك غزوة "حنين" وكان في يوم "حنين" من المائة الصابرين الذين ثبتوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم وكان الجزاء الإلهي لصبره وثباته في هذا اليوم أن قال سيدنا "جبريل" عليه السلام لرسول الله عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى تكفل برزق ابن النعمان رضي الله عنه في الجنة، وكان من فرط حبه للرسول الكريم انه يتمنى لو بذل كل ما يملك في سبيل الله تعالى.
وقد استمر على إخلاصه في سبيل الدعوة الإسلامية بعد وفاة الرسول الكريم ويٌذْكَرُ عنه أنه قال لسيدنا "عثمان بن عفان" رضي الله عنه ثالث الخلفاء الراشدين حين حوصر: "إن شئت وقفنا دونك" وذلك في محاولة منه لحماية سيدنا عثمان قبل استشهاد خليفة المسلمين.
وفاته
توفي "حارثة بن النعمان" رضي الله عنه وأرضاه على عهد الخليفة الأموي "معوية بن أبي سفيان" وقد كان في حياته ساعيا على الدوام لمرضاة الله تعالى وإرضاء رسوله الكريم، وكان من أكثر الناس حرصا على رفع كلمة الحق ونشر دعوة الله تعالى وقد بلغ من تقواه أن بارك الله تعالى له في ذريته فكان منها "محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان" أحد المحدثين، وقد قال الإمام الذهبي عن "الحارثة بن النعمان" أنه كان دينا خيرا بارا بأمه، وهذه الصفات التي ينبغي على كل مسلم أن يتحلى بها في حياته لكي ينال بعضا مما نال ابن نعمان في الحياة الدنيا من حب الرسول الكريم وفي الآخرة من رضوان الله تعالى.
عاتكة بنت زيد
من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة
|
المسجد النبوي الشريف |
إنها الصحابية الكريمة التي جمع الله لها من الفضائل والمكارم قدرًا عظيمًا.. فهي أخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وأمها أم كريز بنت الحضرمي.. خالها العلاء بن الحضرمي الصحابي المشهور، وخالتها الصفية بنت الحضرمي أم طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، أبوها زيد بن عمرو بن نفيل الذي قال فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إنه سيبعث أمة وحده، ولا بد لنا من الحديث عن ابنها باعتباره الشجرة التي خرجت منه الثمرة المباركة.
لقد كان أبوها (زيد بن عمرو بن نفيل) فريدًا في زمانه، إذ كان الناس يعبدون الأصنام بينما كان هو يعبد الواحد فخرج من صلبه هذا الجيل المبارك، وعلى رأسهم سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وعاتكة بنت زيد تلك الصحابية الجليلة والزوجة العظيمة التي قال فيها أهل المدينة من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة.
وكان زيد بن عمرو بن نفيل يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته لا تقتلها أنا أكفيك مؤنتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مؤنتها، كما كان يعيب على قريش ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله.
ولقد وقف زيد بن عمرو بن نفيل فلم يدخل في يهودية أو نصرانية وفارق دين قومه، فأعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان وقال أعبد رب إبراهيم.
قال ابن إسحاق: حدثت أن ابنه سعيد بن زيد، وعمر بن الخطاب ابن عمه قالا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم استغفر لزيد بن عمرو، قال صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم نعم فإنه يبعث أمة وحده.. هكذا كانت الشجرة التي خرجت منها ثمرتنا المباركة، وقد اشتهرت عاتكة بين نساء قريش بالفصاحة والبلاغة ورجاحة العقل والجمال البارع.
زواجها من عبد الله بن أبي بكر
أخرج أبو نعيم من حديث عائشة رضي الله عنها أن عاتكة كانت زوج عبد الله بن أبي بكر الصديق وقال أبو عمر: كانت من المهاجرات تزوجها عبد الله بن أبي بكر الصديق، وكانت حسناء جميلة فأولع بها وشغلته عن مغازيه فأمره أبوه بطلاقها، وعزم عليه أبوه حتى طلقها فتبعتها نفسه فسمعه أبوه يومًا يقول:
ولم أر مثلي طلق اليوم مثلها
ولا مثلها من غير جرم تطلق
فرقَّ له أبوه وأذن له فارتجعها، ثم لما كان حصار الطائف أصابه سهم فكان فيه وفاته، فمات بالمدينة فرثته بأبيات منها
رزيت بخير الناس بعد نبيه
وبعد أبي بكر قصرًا
فالبت لا تنفك عيني سخينة
عليك لا ينفك جلدي أغبرا
زواجها من عمر بن الخطاب
وعن يحي بن عبد الرحمن بن حاطب: كانت عاتكة تحب عبد الله بن أبي بكر فجعل لها طائفة من ماله على ألا تتزوج بعد مماته، فأرسل عمر بن الخطاب إلى عاتكة أن قد حرمت ما أحل الله لك فردي إلى أهله المال الذي أخذته ففعلت، فخطبها عمر فنكحها.
وذكر أبو عمر في التمهيد أن عمر بن الخطاب لما خطبها شرطت عليه ألا يضربها ولا يمنعها من الحق ولا من الصلاة في المسجد النبوي.
موقفها من فراق الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم:
وعند وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حزنت عاتكة رضي الله عنها حزنًا شديدًا لموته فقامت ترثي النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بقصيدة كان منها:
أمست مراكبه أوحشت
وقد كان يركبها زينها
وأمست تبكي على سيد
تردد عبرتها عينها
وأمست نساؤك ما تستفيق
من الحزن يعتادها دينها
[size=16]وعاشت في رحاب فاروق الأمة الأواب أجمل أيام عمرها ورأت مواقفه العظيمة لخدمة دين الله عز وجل وحرصه على الرعية، وظلت تتعلم بين يديه الكثير والكثير إلى أن جاء اليوم الذي قتل فيه شهيدًا كما بشره الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى.[